على مدى ثلاثة عقود قبل هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 شكلت سورية بزعامة الرئيس حافظ الأسد وبما يفوق حجمها العنصر الشاغل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. منذ حرب يوم الغفران عام 1973 أصبحت سورية محور الاهتمام الأول في سعي أميركا لتوجيه المنطقة نحو مسار سلمي واستراتيجي إيجابي. يصح هذا على ما يتعلق بحل الصراع –الإسرائيلي وتشكيل توازن القوى الإجمالي في الشرق الأوسط.
وحينما غدت سورية تحت زعامة ابن حافظ الأسد وخلفه بشار الأسد، أصبحت سورية أكثر بروزاً ووضوحاً في السياسة الأميركية في سياق حربها على الإرهاب بعد الحادي عشر من أيلول. ترى إدارة بوش سورية ضمن فئة الدول-المشكلة، التي ترعى النشاط الإرهابي وتسعى نحو أسلحة الدمار الشامل وتقمع شعوبها. ورغم أن سورية قد قدمت معلومات استخباراتية ومساعدات أخرى للولايات المتحدة التي اتخذت إجراءات صارمة ضد تنظيم القاعدة بعد الحادي عشر من أيلول، إلا أن دمشق قد عارضت أوجه أخرى للإدارة الأميركية في حربها العالمية ضد الإرهاب. لقد عارض بشار الأسد بشكل خاص الحملة العسكرية الأميركية لخلع صدام حسين من منصبه في عام 2003. وانعكاساً لتلك المعارضة عملت سورية قبل وبعد الصراع العسكري على تقويض دعائم السعي الأميركي لتحقيق أهدافها في العراق. وما كان من هذا كله إلا أن جعل من سورية تحدياً لصانعي السياسة الأميركية الذين يسعون لرسم مسار فعال لجهود مكافحة الإرهاب العالمي ولتطوير استراتيجية عظمى للشرق الأوسط الأكبر. وأخيراً جاء الغضب الذي تلا اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري مما أدى إلى تركيز الاهتمام الدولي واهتمام الولايات المتحدة الأميركية على قضية الهيمنة السورية في لبنان.
وفي الوقت نفسه الذي كانت تصرفات سورية المشكلة تمثل تحدياً هاماً للسياسة، انخفضت درجة الإجماع التحليلي في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى حول القوى المحركة للقيادة والأجندة الاستراتيجية. لقد أمضى المحللون وأصحاب القرار السياسي ثلاثين عاماً لفهم وسبر أبعاد نظام حافظ الأسد ومقاربته للقضايا الداخلية وشؤون السياسة الخارجية. ولم يتح لهم حتى الآن سوى أربعة أعوام لفهم زعامة بشار ومقاربته لمسائل السياسة وقد تباينوا في تفسير تجربة وأدلة رئاسة بشار. وليس من المدهش أن عدم اليقين والافتقار إلى التوصل لإجماع في المناقشات التحليلية للشؤون السورية قد أديا إلى ازدياد الصعوبة في التوصل إلى أي إجماع ذي معنى حول سياستها.
على خلفية هذا كله يكمن الهدف الأهم من هذا الكتاب وهو الإنقاص من مستوى عدم اليقين التحليلي حول السياسة السورية اليوم وتطوير صورة تحليلية فعليه عن نظام حكم الأسد بقيادة بشار ولفت السياسة الأميركية إلى مدلولات ذلك.
وبالتالي يقدم هذا الكتاب لوحة شاملة عن "بشار الأسد" كزعيم محلي، ويعرض توصيات صحيفة للسياسة الأميركية تجاه سورية حيث يقدم استراتيجية اتفاقيات العصا والجزرة المشروطة مع دمشق.
وبشكل عام يتضمن الكتاب خمسة فصول: يهتم الفصل الأول بالتفصيل الدقيق بأهمية سورية إقليمياً والتحديات التي تشكلها التصرفات السورية المشكلة للسياسة الأميركية. يهتم الفصل الثاني بتحليل سورية بقيادة بشار الأسد وذلك بالنظر إلى طبيعة النظام الذي خلقه حافظ الأسد ونقله إلى ابنه بالإضافة إلى تركته السياسية الأساسية التي تتعلق بالقضايا الداخلية على المستويين الاقتصادي والسياسي وما يتعلق بالسياسة الخارجية. يركز الفصل الثالث والرابع على ولاية بشار الأسد ومنصبه كرئيس لسورية.إذ يتركز محور اهتمام الفصل الثالث على التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس الجديد والتي تمثل اختباراً لتعامله مع القضايا الداخلية على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. أما الفصل الرابع بشكل مماثل بالتدقيق في إدارة بشار للسياسة الخارجية السورية. وأخيراً تقييم الفصل الخامس الخيارات ويقدم التوصيات للسياسة الأميركية تجاه سورية.