القائمة


 

من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة

تأليف: عبد الكريم شرفي
تاريخ النشر: 11/1/2006
المقاس: 24×17
عدد الصفحات: 288
النوع: ورقي غلاف عادي
ردمك: 9953870195
السعر: 6$

نبذة عن الكتاب:

لم يكن اختيار المباحث "لهذا الموضوع بدافع من الانحياز الأعمى للفكر الغربي، ولم يكن يحركه الاهتمام المتزايد بقضايا ومسائل النظرية والنقد الغربيين على حساب الجهود التنظيرية العربية، وإنما كان اختياره قائماً على قناعته بضرورة المساهمة، في مد جسر التواصل والتحاور المعرفي الذي يمنح القارئ والباحث العربي إمكانية الإطلاع على النتاجات الفكرية الناجمة عن الحركة الغنية للفكر الفلسفي والتنظيري والنقدي في الساحة الثقافية الغربية، فيكتسب بذلك مخزوناً معرفياً جديداً يسمح له بأن ينظر بعين الموضوعية إلى موروثه المعرفي الخاص.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا البحث لم يكن بإمكانه، وليس بإمكانه مطلقاً، أن يدعي الشمولية الكاملة في تناوله لهذا الموضوع، سواء من حيث الاتساع أم من حيث العمق، فهو لا يطرح "كل" الإشكالات والمسائل المتعلقة بالقراءة والتأويل، ولا يتعرض "لكل" التيارات الفكرية والنظرية الغربية الحديثة التي تناولت هذه الإشكالات بالمعالجة. فمثل هذا الموضوع لا يمكن لأي بحث، ولا لأي اختصاص، أن يحيط به بمفرده. ومن هنا كان هذا البحث مجرد "مقدمة" أو مدخل إلى الموضوع.

ومهما يكن من أمر فإن إشكالات القراءة والتأويل، على اختلاف مناحيها وعلى اختلاف النظريات التي تعرضت لها، تتمحور حول قضيتين مركزيتين: تتعلق بالقضية الأولى بطبيعة المعنى وطبيعة النص أو العمل الأدبي، وتتعلق القضية الثانية بمسألة الفهم والإدراك والتأويل، ومن ثم بإشكالية الذاتية والموضوعية سواءً في تحقيق النص الأدبي أم في تحقيق معناه أو موضوعه الجمالي.

فهل يمتلك النص وجوداً متحققاً وملموساً دون تدخل الذات الواعية أن هذه الأخيرة هي التي تخرجه إلى حيز الوجود؟ وهل يمتلك النص هوية أو ماهية أنطولوجية بحيث يمكن للذات أن تدركه "كما هو" دون أن يكون انعكاساً أو نتيجة لأفعال الفهم التي تمارسها عليه؟ وهل المعنى موجود ومعطى ومشكل داخل النص يجب اكتشافه واستخراجه وتوصيله إلى الآخرين أم أن الذات القارئة أو المؤولة هي التي "تبنيه" و"تركبه" من خلال المعطيات النصية لأنه ليس معطى وليس محدداً بأي حال من الأحوال داخل النص؟ هل المعنى الناتج جوهري ومستقل عن تدخل الذات التي تنجزه أم أنه مشروط بمشاركتها؟ وهل هو ثابت ولا زمني ومطلق ونهائي أم أنه متعدد ويتغير باستمرار؟ وما نوع العلاقة التي تربط بين العمل الأدبي ومؤلفه؟ هل من الممكن أن يتساوى القصد العقلي للمؤلف وكل ما يثيره النص من معان؟ هل من الضروري أن يتوصل المتلقي إلى المعنى الذي قصد إليه المؤلف بالضبط؟ وهل الوصول إلى هذا القصد من خلال تحليل العمل الإبداعي ممكن؟ أم أن النص لا يمكنه أبداً أن يتطابق مع مقاصد مؤلفه؟ بأي قصد سيتعلق الأمر إذن؟ بقصد النص نفسه؟ ولكن، هل يمكننا الوصول إلى قصد النص ذاته وتحديده باعتباره كذلك، ومن ثم تحقيق الفهم "الموضوعي" الذي لا يختلف حوله اثنان؟ ألا يتعلق الأمر بقصد المتلقي أيضاً، ما دامت القراءة والفهم والتأويل عمليات مشروطة بالوضعية الخاصة بالذات المدركة، وتتحقق دائماً "في الحاضر" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من وجود ثقافي تاريخي إيديولوجي ومن أفق معرفي وخبرة محددين؟ أليس المعنى بالضرورة، أي أننا لا نزيد على فرض مقولاتنا الخاصة على أشياء العالم أو على عالم النص؟ هل يتعلق الأمر بأسبقية الذات (الذاتية) أم بأسبقية الموضوع (الموضوعية)، أم يتعلق بضرورة تجاوز الأسبقيتين إلى التأكيد على ضرورة تدخل الذات المؤولة لتحقيق النص وتحديد موضوعه الجمالي وتشكيله، والتأكيد في الوقت نفسه على ضرورة خضوع الذات في كل ذلك لتوجيهات البنية النصية؟

وفي هذه الحالة، ما هي حدود تدخل الذات ومشاركتها في بناء المعنى، وما هي القواعد الضرورية التي تمنعنا من إسقاط مقاصدنا الذاتية على النص فتعصمنا بذلك من سوء الفهم؟ وما هي قيود التأويل وحدوده؟ وما هي طبيعة هذه التوجيهات النصية التي تتحكم في تدخلات القارئ وتراقبها وتمنحها الوجهة الصحيحة، وكيف تشتغل عملياً؟

ولأن هذه الإشكالات لم تطرح بحدة وبإصرار كبيرين إلا بعد التحول الذي عرفه توجه النظرية والنقد الغربيين، على يد منظري جمالية التلقي في نهاية الستينيات، ولأنها حظيت بقسط وافر من الاهتمام والنقاش والمعالجة داخل هذه النظرية التي بنيت في أساسها على هذه الإشكالات، فقد جعل الباحث من طروحات هذه النظرية المحور الأساس في بحثه هذا، مخصصاً لها الفصل الثالث منه.

وقد تناول فيه المقولات الأساسية لدى كل من هانس روبرت ياوس وفلفغانغ أيزر، وبين كيف أن ياوس كان يؤكد على ضرورة تجديد التاريخ الأدبي، وإعادة بنائه ليس فقط على عملية الإنتاج، بل وعلى أساس عمليات التلقي المتتالية في تمفصلها مع عمليات الإنتاج، فالمتلقي في نظره لا يمنح العمل الأدبي وجوده وتحققه الملموس فقط ومن ثم تاريخه الخاص، بل ويمكنه أيضاً أن ينتج بواسطة هذا التلقي معايير جديدة للتقييم وللإبداع أيضاً.

كما بين ياوس أن هذا الالتقاء بين العمل الأدبي والمتلقي وكذلك التقاء المؤرخ، الذي يؤرخ انطلاقاً من الحاضر، مع الماضي، ليس موضوعياً خالصاً، وليس ذاتياً خالصاً، بل هو مشروط دائماً بالعلاقة التفاعلية والتحاورية القائمة بينهما، وباندماج وانصهار أفق كل واحد منهما بأفق الآخر. أما إيزر فقد اهتم بفعل القراءة مؤكداً أن معنى النص ناجم عن التفاعل التواصلي القائم بين النص والقارئ، أي أنه من إنتاج القارئ ولكن بإرشاد من التوجيهات النصية.

ولأن إشكالات الفهم والتأويل والإدراك وكذا إشكالية الذاتية والموضوعية أو علاقة الذات بالموضوع، كانت المسألة الأساسية في الهرمينوطيقا والفيومنولوجيا على حد السواء، ولأن هذين الاتجاهين كانا يشكلان، من الجهة الأخرى، الخلفية المعرفية التي تأسست عليها نظرية التلقي، فقد ارتأى الباحث أن يخصص لهما على التوالي كلاً من الفصل الأول والثاني.

من هنا كان الفصل الأول يتناول بالدراسة والتحليل مسار الهرمينوطيقا التاريخي في الفكر الغربي الحديث ابتداءً من القرن 17 أين أصبحت، على يد شلايرماخر، علماً أو فناً قائماً بذاته، إلى النقاشات المعاصرة التي أثارها امبرطو إيكو بشأن حرية التأويل والمعايير والقواعد الضرورية التي تحد من هذه الحرية وتضمن موضوعية التأويل والفهم. وقد حاول أيضاً أن يعرض، إلى جانب مقولات شلايرماخر وإيكو، تصورات الهرمينوطيقيين الكبار أمثال دلثاي، وغادامر، بول ريكور بشأن الإشكالات التي أثرناها أعلاه، ومواقفهم منها.

أما الفصل الثاني فقد جاء ليبين بشيء من التفصيل تصور الفلاسفة والمنظرين الفنومنولوجيين (هرسرل، هايدجر، انغاردن، وسارتر) لطبيعة العلاقة القائمة بين الذات والموضوع عموماً، وبين القارئ والنص على وجه الخصوص، وللخيط الفاصل بين الذاتي والموضوعي، بين حقيقة الأشياء في ذاتها ومعرفتنا عنها.


الزبائن الذين اشتروا هذا الكتاب، اشتروا أيضاً: