هذه حلقة من حلقات الإبحار في التاريخ، يقودنا فيها الشيخ "عبد العزيز التويجري، في عالم الملك عبد العزيز آل سعود. وهو في هذه الرحلة لا يحدثنا بحسبانه مؤرخاً ولا حتى رواية، ولكن بحسبانه شاهداً على بعض الأحداث ومفتوناً بأحداث أخرى. ولذلك جاء الكتاب بمثابة قراءة للتاريخ وليس كتابة له، بمعنى أنه يضع بين أيدي الجميع-وخصوصاً الدارسين والمؤرخين-ثروة من الوثائق والوقائع والانطباعات، تصور جوانب مختلفة في ذلك العالم الرحب والمشحون بالأحداث الكبيرة والمثيرة، سواء ما تعلق منها بما يسمى الثورة العربية الكبرى، أو بتوحيد الجزيرة العربية وإقامة الدولة الحديثة بقيادة زعيمها الملك عبد العزيز، أو بما صادف عملية البناء من تحديات، وصولاً إلى نموذج القيم ونمط الحياة الذي بنيت عليه المملكة.
نحن في الكتاب لا نقرأ تاريخاً متسلسل الأحداث، وإنما نشاهد صوراً حية لذلك التاريخ. لذلك فقد بدا الكتاب بمثابة سجل للصور التي رسمت بالكلمات وبذلك الكم الوفير من الحوادث. وقد اغتنت تلك الصور بتعليقات الشيخ عبد العزيز التويجري، التي سجل فيها شهاداته وانطباعاته، مؤدياً في ذلك دور "الدليل" الذي أبى إلا أن يوصل شحنة الإدراك والانفعال كاملة إلى الذين يصطحبهم في رحلته هذه
ولئن أراد المؤلف أن يوصل إلينا الصور كاملة، فإنه من دون أن يرى-وربما من دون أن يريد-رسم لنفسه صورة بدت شاخصة في ثنايا إضافاته وتعليقاته التي توزعت على الكتاب من أوله إلى آخره. صحيح أنه لم يتحدث عن نفسه-إلا في سطرين أو ثلاثة-لكنه أغدق ما لا حصر له من صفات الثناء والتقدير على الملك عبد العزيز، وانتقد بأدب واحترام شديدين الشريف حسين، وسجل ملاحظاته على الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الوثائق، وعلى المواقف والممارسات التي أشارت إليها تلك الوثائق.
في الأسطر القليلة التي تحدث فيها الشيخ "عبد العزيز التويجري" عن نفسه حاول أن يبرر ما ذكره عنه الأستاذ "محمد حسنين هيكل" في مقدمة كتاب لسراة الليل هتف الصباح-الذي كان بمثابة استفتاح مثير لرحلة الإبحار في التاريخ-حين وصفه بأنه "عاشق للملك عبد العزيز" وهو وصف صائب، حيث يلمس القارئ ذلك العشق في كل تعليق سجله المؤلف على مواقف الملك الراحل لكن الموقف في الكلام يدرك أن تلك المشاعر الدافئة التي عبر عنها الشيخ التويجري كانت حفاوة بالرمز أكثر منها حفاوة بالشخص.