كانت فترة الأربعينات ومطلع الخمسينات، يمكن إعتبارها كبداية للنشاط الصحفي والإهتمام بالطباعة وتطوير وتحديث أجهزتها وأقسامها الفنية، وبالأخص عندما غزت المجلات والصحف الأجنبية الأسواق والمكتبات، خلال وبعد الحرب العالمية الثانية مما حفّز العاملين والمهتمين بهذا القطاع الحيوي المهم، بالتحرك والمباشرة بالتغيير.
ومن الواضح أن توفر أجهزة حديثة، يتطلب إعداد كوادر فنية قادرة على إيصال رسالتها. وعلى حدّ علمي لم تحاول مطابع ذلك الزمان المغامرة بطباعة أعمال ملونة وبشكل متقن وكما أتذكر، فإن أول ماكنة لطباعة الأدفست نصبت في مطبعة شاهين، لكن لم تستطع أن تقدم عملاً يستحق التشجيع لنقص الكادر الفني بالكامل، وهذا الأمر ينطبق على كافة المطابع الأخرى، وبالنسبة لنا " ثنيان ورمزي ومجموعة العاملين"، كانت التجارب التي خضناها منذ بدء أعمالنا برسم الإعلانات وطباعة " السلك سكرين"، والإهتمام بالتعنية والحرفية أسبغ على العاملين القدرة على الإبداع، ولا بد من ذكر العلاقات المتميزة مع مجهرة الأصدقاء الفنانين كجواد سليم وفائق حسن و محمود صبري ومحمد غني وآخرين لا حصر لهم، كان لها الأثر في تطوير مسيرة المؤسسة، فعندما تحولنا الى عالم الطباعة، كانت هذه خلفيتنا، ولا يعني هذا أن المتاعب والمشاكل وبعض المعوقات لم تكن تواجهنا أو لا تخيفنا، ولكننا تجاوزناها بالصبر أحياناً، وبالتحدي أحياناً أخرى، مشكلة ألواح الطبع المحسسة مثلاً، كان إستيرادها يستغرق وقتاً طويلاً مما إضطرنا الى تحضيرها في مختبرنا والنتيجة لم تكن بالمستوى الذي نصبو إليه، مع ذلك كنا نستعملها لحين وصول الشحنة الجديدة ومشكلة توفر الورق والأحبار واللوازم الأخرى، التي كنا نعاني منها، وهكذا كلنا كبرت المشكلة كبر التحدي!.
كنا ثنيان وأنا نتابع أغلب ما يجري في المجلات والكتب والمعارض، التي تقام في الغرب حول الطباعة وما يتعلق بها، وكان لتشجيع قسم آخر من المثقفين والفنانين أمثال خالد القصاب، وقتيبة الشيخ نوري، وصبرا إبراهيم صبرا، وعبد الرحمن منيف، وزيد صالح، له أكبر الأثر فينا وفي عمالنا، وفيينا من المطابع الكبيرة التي كانت تطبع الكتب المدرسية بشكل مقبول هي مطبعة الرابطة يديرها الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم ولكنها ما زالت بعيدة عن المستوى المطلوب حتى قياساً ببعض الدول العربية. وأعتقد أن من أسباب ذلك هو النقص الكبير في الكوادر الفنية وهذا ينسحب على مجمل المطابع في فترة الأربعينات والخمسيينات".
إنه جزء مما حفظته ذاكرة الفنان العراقي المبدع ناظم رمزي الذي وكما قيل عنه" لايمكن الإحاطة بمواهبه" فهي متعددة وإنجازاته كثيرة كمتخصص بالتصميم والمونتاج والتصوير الطباعي والخبرة الإخراجية الصحفية والذي له سجله الحافل بهذا الحقل منذ الثلاثينيات والأربعينات من القرن الماضي وحتى الستينات ومابعد بقليل. وقائمة إنجازاته كبيرة منها تأسيسة للدار العربية للطباعة والنشر في العراق سنوات السبعينات ومابعد بجهده الخاص ثم تحويله لهذه المؤسسات الطباعية الى مدرسة كبيرة إستقطبت إليها أجيالاً متعاقبة من الفنانين المتخرجين في أكاديمية الفنون الجميلة فرع الرسم – الغرافيك – الفنون التطبيقية، إضافة الى المتخصصين بالإخراج والتصوير والتنفيذ والتصحيح اللغوي الصحفي بجانب من كانوا مبدعين بهذا المجال خلال الممارسة المهنية ليعملوا في أقسامها العديدة وينهلوا من خبراته وأفكاره التجديدية وأساليبه المبتكرة في الفن الطباعي.
وهو الى جانب ذلك فوتوغرافي بارع لا يضارع إستطاع أن يمازح مابين نفحة الضوء وسمات الوقت فصور على خلفية الفكرة التي تتجاوز الإطلالة التأملية والسطحية العابرة بالمشهد حياة النماذج المسحوقة من الناس والطبقات العامة مبرزاً الواقع المعيش، هو ذا ناظم رمزي يتحدث عن ذكرياته في هذا الكتاب من خلال الكلمة والصورة والرسائل.