إن وضع الصحافة في العراق وهي "إحدى الصحافات الأكثر معاناة ماضياً وحاضراً في العالم الثالث"، وهي على ما تشهده حالياً وفي مرحلة ما بعد إسقاط نظام صدام، من طفرة كبيرة في أعداد وأنواع الصحف، وفي الكتابات التي خرجت من "الاحتباس الإعلامي"، لتسّطر "ما يجيش في النفس من أفكار ومشاعر"، أصبح حالها، "مثل حال مارد خرج من القمقم".
"يسعى هذا الكتاب إلى الخوض في التأثيرات أو التداعيات الناجمة عن أزمة التمويل وفي طليعتها التمويل عبر الإعلان.."، وعن "أزمة المسؤولية المهنية أو ما يعرف بأخلاقيات المهنة الصحفية.."، وهما أزمتان "أدرك الصحفيون أنفسهم جسامتهما في بلد ملتهب". وكما يقول مؤلفه الخبير الميداني في هذا المجال، لم يعتمد هذا الكتاب "في تشخيص مشكلتين من أخطر المشاكل التي واجهتها صحافة العراق ما بعد نيسان 2003"، "سوى معايير الحقيقة"، و"البحث العلمي".
يقسم البحث إلى ثلاثة فصول، تبدأ ببحث عام في الشق المتعلق بالإعلان الذي يعتبر مصدراً لاستمرار صدور الصحف المستقلة في البيئة الدولية، وفي تبادل المنافع، ثم في التنوع أو التعددية في مصادر التمويل، ويركّز على الخيارات الإعلانية المتعددة في الصحف. ينتقل بعدها إلى تفكيك عناصر أزمة التمويل في الصحافة العراقية، فيحدد المصطلح والمشكلة ومصادر الإعلان، ويخلص إلى الاستنتاجات والتوصيات.
يستعرض الفصل الثاني أخلاقيات المهنة الصحفية في عراق ما بعد نيسان 2003 في بحث عن مفهومها ومصادرها، وعن مفهوم المسؤولية الصحفية. ويفنّد بوجه خاص القواعد السبعة التي اعتمدتها جريدة "الزمان" في طبعتها العراقية، في أخلاقيات المهنة الصحفية.
يقوم الفصل الثالث بدءاً بتوصيف وضع الصحافة العراقية من الانغلاق إلى الفوضى كمبحث أول، فيلقي الضوء على مصدر انتهاك الحريات، وعلى نوعية الصحافة التي تواجه الأزمات، وعلى المسؤولية الصحفية في انتقاء مصدر المعلومات في ظل اتساعها وتنوعها، وعلى تحديات النشر في الصحافة العراقية.
ثم ينتقل إلى المبحث الثاني، ليحلل أزمة المسؤولية المهنية في صحافة عراق ما بعد الحرب، على شكل طرح لـ "مشروع ميثاق لتجنيب الصحفيين أخطار الإنخراط في التحريض على العنف والنزاع المسلح" ويشدد على "ضرورة اعتماد المهنية الرصينة واستحضار مواثيق الشرف الصحفية في معالجة كل شأن عراقي".
إن ما تسعى إليه هذه الدراسة "هو رصد وتوثيق مسيرة حقبة صحفية ستظل موضع اهتمام وتساؤل ومتابعة بالنظر لما رافقها من أحداث هزت العراق والمنطقة وأدت إلى اصطفاف سياسي وفكري كان العالم العربي محوراً بارزاً فيه".