من فكرة أن المرأة العربية (الشرقية) محكومة بتاء التأنيث المغلقة التي بدأت وتأبدت منذ بدء الخليقة وإلى الآن تختار الروائية سهام مُرضي "امرأة من أسفل طبقات المجتمع وعياً ووجوداً وفاعلية"، لتكون بطلة روايتها الجديدة "خلف العالم" التي يمكن أن تُقرأ كحالة خاصة بقدر ما يمكن أن تُقرأ كحالة عامة في مجتمع عربي بعينه.
"كانت نادية في السابعة والثلاثين بملامح وجسد امرأة في الأربعين منذ أن اكتشفت إنها امرأة، وكان هذا بالنسبة إليها طبيعي ومتسق مع تربيتها وزهدها في ذاتها قبل كل شيء، إذ نشأت في أسرة تربيها وأخواتها على كونهن عار يتطلب قمعه باستمرار، وسرّ لا يجب الحديث عنه بصوت مرتفع"، بهذا الوصف تقدم الروائية بطلتها (نادية) الشخصية المحورية في الرواية وقد بدت من أول صفحة في الرواية ضحية الأفكار المجتمعية السائدة، التي جعلت منها إنسانة قلقة خائفة من عقاب السماء وكلام أهل الأرض، أما خوفها الحاضر باستمرار هو الخوف من الرجل، "فنادية لا تعرف عن الرجال سوى أنهم كائنات مختلفة عنها، ومخيفة، وخشنة، وخطيرة ومعدومة الحياء والأخلاق، كانت هذه فكرتها عن الرجل..."، حتى صنعت من نفسها "عانساً متوافقة وراضية" بما أراده القدر لها. حتى يأتي ذلك اليوم الذي تسمع فيه كلمة "شكراً يا قمر" من رجلٌ مُراوغ ومُحتالٍ؛ وكانت هذه الكلمة المفتاح الذي دخل منه (ناصر) إلى قلب نادية، فاكتشفت في ذاتها امرأة برغبات أنثوية خالصة ومتطلبة؛ وقد تجردت من خوفها للحظات "كانت في سبيله مستعدة لخيانة كل شيء تعرفه، كانت مستعدة لمحاربة العالم من أجله، لكنه خذلها بعنف..."، ولكن، سرعان ما تبدد الحلم الجميل بعدما تخلى عنها ناصر بعد أول لقاء لها معه في شقته، تاركاً لها شعوراً بالذنب والفضيحة.
في "خلف العالم" تنطلق الروائية سهام مرضي من نزعة واقعية موضوعية في تحليل شخصية المرأة، فالرواية بهذا المعنى الذي تقدمه لنا تمثيل أمين لواقع خارجي يعبر عن حقائق إنسانية داخلية/ذاتية، لعالم المرأة، وهي بذلك تكون وارثة أمينة لكتّاب الرواية الواقعية الذين يقدمون في أعمالهم رؤية اجتماعية، وتحليلاً للواقع، ووصفاً للأشخاص والأوساط الاجتماعية المختلفة، فنادية الشخصية المحورية في الرواية، وعلى الرغم من العباءة السوداء التي تغطيها أينما اتجهت، والقلق الذي يرافقها، والماضي المحاطة به من كل اتجاه، والأفكار الغريبة التي تسيطر عليها "ربما هي مسكونة بشيء خفي"؛ إلاّ أنها بدت تبحث عن ذاتها، وتتمرد على ضعفها راغبة في الحرية والحب والفرح رغم إدراكها صعوبة تحقيق هذا كله وإحساسها الخفي لِما ينتظرها والحياة التي توشك أن تغادرها إلى غير رجعة!!
وبعد، إذا كانت صورة المرأة في القرن الواحد والعشرين تختلف بين أثر أدبي وآخر؛ فما الذي يميز صورة (المرأة) اليوم عن تلك التي عرفناها مع قاسم أمين في بداية القرن العشرين، وأي الصورتين هي الأصدق تعبيراً عن المرأة في مجتمعاتنا؟ وهل تغيرت هذه الصورة (الذهنية) عن المرأة مع المجتمع الحديث أم أن الفكر يسير في واد والشرق في وادٍ آخر؟ سؤال برسم الإجابة.