تمثل رواية «أنصاف مجانين» للدكتورة شيماء الشريف عملاً روائياً متميزاً، يغيب فيه البطل – الفرد، وتتعزز البطولة الجماعية التي يجمعها فضاء مشترك، تقدم فيه الشخصيات وجهات نظرها في الحياة، نقرأ عبرها كتابة إبداعية، تشكل اختراقاً لا تقليداً، واستشكالاً لا مطابقة، وإثارة للسؤال أكثر منها تقديماً للأجوبة؛ والغوص إلى الداخل لا التعلق بالظاهر، لقد حولت شيماء الشريف الرواية العربية هذه المرّة إلى سؤال مفتوح، وجعلت من أبطالها أنصاف مجانين!!
وفي الرواية تُقحم الروائية القارئ معها للبحث عن سرّ الرواية، فهي تدعوه مثلما الشخصيات في الرواية للبحث عن حلقة مفقودة، والحلقة المفقودة هنا "الكتاب" الذي تركه والد البطلة والذي سوف يرى فيه تلخيصاً لحياة إنسان عاش من أجل رحلة، "رحلة استقرت أخيراً في كتاب"، هذا الكتاب العجيب الذي سيتم نشره، ولو بدون اسم الكاتب، هو كتاب الحياة نفسها التي سيقرأ كل واحد منا حياته من خلاله.
ولعل فيما تقوله الروائية في ختام عملها خير إجابة عن كثير من الأسئلة التي قد تحير القارئ على طول صفحات الرواية: "الأصوات… التي بدأت بها هذه القصة، لن تكون نهايتها كما تريدون، ففي الوقت الذي ظن أنس أنها انتهت إلى الأبد، جاءه صوت قديم يعرفه جيداً "عندما تموت، نحن نرحل". ما لم يعرفه أنس إلا بعد سنوات هو أن ريماً لها أصواتها الخاصة ومحادثتها التي تجري داخلها، وكذلك محمود عندما كان حياً، وكل إنسان على وجه البسيطة.. نعم كلنا تتحدث في داخلنا أصوات غريبة، هي تضارب بين الخير والشر، والسعادة والحزن، والمعلوم والمجهول، والضمير والشيطان.
وكلنا مجانين، ولست أقصد بذلك أنس، بل محمود الذي أولع بسؤال فتضخّمت روحه وصارت بحجم المعجزات، وريم التي لحقت بحلمها إلى آخر العالم ثم عادت مرة أخرى غير مبالية بالمسافات الفيزيائية طالما أنّ الأرواح قريبة، وجميلة التي صارت شخصين في جسد واحد، أحدهما محطّم، والآخر عنيد، ثم تجزأت مرة ثالثة لتصير جميلة التي تقف على قدميها، والسيد عبد الرؤوف الذي لا يعيش على شيء سوى حدسه، والسيدة فاطمة وفرح ووالد أنس، وغيرهم ممن مروا في هذه القصة، وأنتم، وكل هذا العالم. إننا مكوّنون من الجنون كما نحن مكوّنون من الماء. والجنون ليس عيباً أو فضيلة، بل هو صفة، وصفة مشتركة بيننا جميعاً، وحياتنا ما هي إلا تأرجح على خيط رفيع بين المنطق وبين الجنون. وفي كل يوم نحاول موازنة أنفسنا، لكننا لا نقف في المنتصف أبداً، ولا نبقى في مكان واحد طيلة حياتنا، بل تأتي لحظات نقترب فيها من الجنون، ولحظات نكون أقرب فيها إلى العقل. وعلى هذا فإننا كلنا يا سادة وعلى ضمانتي أنصاف أو أرباع أو أخماس أو أقل من ذلك أو أكثر، جميعنا بطريقة ما مجانين".
فازت الدكتورة شيماء الشريف بالجائزة الدولية للأدب العربي المترجم للإسبانية «ابن عربي» عن روايتها «أنصاف المجانين» التي تُرجمت إلى اللغة الإسبانية وحظيت بإشادة عالمية، وعدّ هذا الفوز الأول من نوعه لرواية سعودية، كما أنه الأول لمؤلف سعودي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا حيث تعدّ الدكتورة شيماء أول امرأة عربية تنال الجائزة.
ويشكل هذا الإنجاز محطة تاريخية في الأدب السعودي والعربي، ويبرز كمؤشر على الإبداع والابتكار في الأدب العربي المعاصر، وتساهم رواية «أنصاف المجانين» في فتح آفاق جديدة للأدب السعودي، معززة من مكانته على الساحة الأدبية الدولية. وبدأت الدكتورة شيماء الشريف أول محاولة للكتابة في 2009 بعمر 19 عاماً، ما عدّتها محاولة متواضعة، وبحسب ما قالته لـ«الشرق الأوسط»، تطورت هذه الهواية مع الوقت لتنتقل من تدوينات بسيطة إلى مدونة، ثم إلى مقالات في عدد من الجرائد حتى أصدرت روايتها الأولى عام 2014.
وعن سبب اختيارها مجال أدب الخيال العلمي والفانتازيا، تقول شيماء: «بالنظر إلى التاريخ، لا يوجد أي اختراع بلا خيال، فالخيال إحدى المواهب التي تميزنا نحن البشر، في حين أن القصة تعد الطريقة الأولى والأقوى في إيصال الأفكار… أما عن سبب تداخل العلم فيرجع إلى كوني إنسانة تعتمد العلم في حياتها، فأنا طبيبة، وهذا يجعل طريقة تفكيري تنتهج العلم». وبسؤال الشريف عما إذا كان لرواية «أنصاف المجانين» جانب واقعي سمعت عنه أو عاشته، تجيب: «هذا سؤال صعب لأن الواقع يلهم كثيراً من الأفكار، والخيال يأخذني إلى بعد آخر في كل مرة، وتختلف نسبة الواقع مقارنة بالخيال، لكنني أحب الاعتماد على أساس علمي أو تاريخي أبني عليه عالم رواياتي».
وكشفت الشريف أنها تؤمن بالطموح، مضيفةً: «كلما حققنا هدفاً يظهر لنا الهدف التالي بشكل تلقائي، فحالياً مثلاً أعمل على رواية ونصّ في مجال الفنتازيا وخلق منتج وعالم من وحي ثقافتنا وتاريخنا لأقدّمه للعالم». وتمثل رواية «أنصاف مجانين» بالنسبة لها عملاً روائياً متميزاً، يغيب فيه البطل الفرد، وتتعزز البطولة الجماعية التي يجمعها فضاء مشترك، وتقدم فيه الشخصيات وجهات نظرها في الحياة، نقرأ عبرها كتابة إبداعية، تشكل اختراقاً لا تقليداً، واستشكالاً لا مطابقة، وإثارة للسؤال أكثر منها تقديماً للأجوبة، والغوص إلى الداخل لا التعلق بالظاهر، فلقد حوّلت الشريف الرواية العربية هذه المرّة إلى سؤال مفتوح، وجعلت من أبطالها أنصاف مجانين!!
وفي الرواية، تُقحم الروائية القارئ معها للبحث عن سرّ الرواية، فهي تدعوه مثلما تدعو الشخصيات في الرواية للبحث عن حلقة مفقودة، والحلقة المفقودة هنا «الكتاب» الذي تركه والد البطلة، ويرى فيه تلخيصاً لحياة إنسان عاش من أجل رحلة، «رحلة استقرت أخيراً في كتاب»، هذا الكتاب العجيب الذي سيتم نشره، ولو من دون اسم الكاتب، هو كتاب الحياة نفسها التي سيقرأ كل واحد منا حياته من خلاله.
وتعد الدكتورة شيماء الشريف أول روائية سعودية تكتب في مجال الخيال العلمي والفانتازيا، حيث ألّفت روايتين تصدرتا الكتب الأكثر مبيعاً، وتم تحويل مؤلفها «أنصاف المجانين» إلى مسلسل من موسمين على منصة «VIU» العالمية، تصدر أعلى مشاهدات بالمنصة، كما أنها من أوائل الشخصيات السعودية التي يتم تحويل عملها إلى عمل مرئي، وتصدرت أكثر الكتب تحميلاً على موقع «أمازون» العالمي.
تجدر الإشارة إلى أنه من المقرر إقامة حفل تكريم للدكتورة شيماء الشريف كأول امرأة سعودية وعربية تفوز بالجائزة الدولية للأدب العربي «ابن عربي» يوم الخميس 13 يونيو (حزيران)، وذلك ضمن فعاليات النسخة 83 من معرض مدريد الدولي للكتاب 2024.