يأتي هذا العمل للكاتب المبدع "إبراهيم نصرالله" من ضمن المشروع الروائي الكبير 125 عاماً عن تاريخ الشعب الفلسطيني في رؤية فنية يحدد فيها الروائي تصوره لذاته في علاقتها بالكتابة، ومن ثم يجنح إلى الاهتمام بسؤال فعل الكتابة، حيث يبدو الإلحاح على التجريب مطلباً قوياً بما يعنيه ذلك من انكباب على مسألة الذات.
يهدف المشروع برمته إلى رسم صورة داخلية للحقبة الإنسانية بشكل خاص والتاريخية بشكل عام منذ نهايات القرن التاسع عشر وصولاً إلى عصرنا الحاضر. يقول الكاتب: "المشروع برمته سعي لكي أقول إننا لم نزل على قيد الحياة، مثل أي شعب آخر في هذه الأرض، ورغم كل ما يحيط بنا، بقاؤنا إذن حتى الآن هو الحقيقة واليقين".
في "تحت شمس الضحى" ينشغل الروائي بالكتابة عن الفساد، وعن الجدار والدمار وسرقة الأرض. يعيش حكايات الناس، ويستمع إليها، ويطل على عذابات البشر، هو ضد كل من يفرط بهذا الوطن "سأكون ضد الفاسدين وضد كل من يحتقر الحقيقة باسم الوطن أو باسم العدالة أرضية أو سواها".
في كتاباته يلتقي مع عدد أكبر من البشر أم الوليد وأبو الوليد، وردة وياسين ونعيم وهناء وغيرهم، أناس يحلمون ويعشقون، فالروائي هنا يأخذ الحياة بانسيابها الطبيعي دون مخططات سابقة، مستخدماً لغة السرد مع لعبة التخييل الموسومة بطرائق التعبير المتنوعة، يستبطن من خلالها الحالة الفلسطينية التي تقع بين حدَّي الفرح والحزن، الحب والحرب، ولا شك أنه نجح في تصوير أزمة هذه المرحلة الملتبسة والضبابية؛ هو يكتب عن الملهاة الفلسطينية من جوانب مختلفة، هي محاولة مستمرة بأن لا ينتهي حلم العودة. الملهاة هي صراع البشر، هي ملهاة وكفى ولا شيء يفضي إلى اليقين برأيه.
هكذا هو "نصرالله" عندما يكتب نكتشف معانٍ للحياة أكثر عمقاً وأوضح رؤية، هو لا يقرع أجراس النكبة وأحزانها فقط، بل أجراس القلوب الغارقة في بحور الحزن واليأس والقنوط، فيوقظها من سباتها حتى نرى للحب مكاناً بين رماد الحرائق وهول المأساة، يريد أن يقول للعالم أجمع أن هذا الشعب يفرح ويحزن ويعشق ويعيش حياته رغم المعاناة، في "تحت شمس الضحى" تصرخ أم الوليد وتقول لزوجها بعلو صوتها "بحبك"، حينها وجدت زوجها يبتسم رغم أحزانه لا بل تحول وجهه كله إلى ابتسامة.
"- اقتنعت أخيراً وعملتيها!" قال لها ياسين الأسمر.
- أربعين سنة وأنا أحاول أن أقولها، ومش عارفة!
(...)
وحينما اعتدلت، حينما عادت السّروة لفضائها الواسع، فضاء شمس الضحى والنوافذ وطيور الدوري والأولاد والبُلبُلين العاشقين، قالت: عجيب!! مع أن كلمة (بحبك) ناعمة وتفرح وحلوة، لكن إذا لم تقلها تصبح على قلبك أثقل من حجر...".
وكما يحدث في أعمال إبراهيم نصرالله الأدبية والشعرية تتقدم الحياة الشعبية الفلسطينية بتفاصيلها اليومية في القرى والمدن لتحتل المشهد الإنساني برمته؛ هي حياة حافلة بحكايات الحياة والموت، الخيانة والقسوة، الحب والحرب. هي أعمال متحققة في البشر، فالشرف لا يعني شيئاً برأيه إذا لم نكن شرفاء، وكذلك الشجاعة والحب، ما الذي يمكن أن تعنيه كلمة (حب) فعلاً، لشخص لم يحب أبداً. هي أعمال كتبت لأناس عاشوها، وحين نعيشها نحن كقراء سنكتشف أشياء أكثر اتساعاً وأكثر جمالاً ربما من الروايات نفسها.