لا شك أن كتاب «نجران والنصرانية الأولى» مثير للجدل إيما إثارة، فمؤلفه الباحث السعودي النجراني "محمد آل هتيلة" يستدرج مساجلات تاريخية ودينية صاخبة عن الجانب المخفي في الجزيرة العربية ونجران والمسيحية الأولى، ذلك أن ولادة السيد المسيح تحت ظلال نخلة والصورة المدهشة التي يرسمها القرآن الكريم لولادته وأمه العذراء ما تزال ذات طابع إشكالي مثير للسجال لدى كثير من المؤرخين والباحثين إلى اليوم. إن علاقة القصة القرآنية عن مولد السيد المسيح تحت نخلة باسم هذا الوادي يجب أن يكون مدخلاً لدراسة قصة نجران القديمة، وهذا ما فعله مؤلف الكتاب الذي سوف يثير بدوره حميّة العلم والبحث لدى كثيرين، وربما حنق أصحاب العقائد وهم كثيرون أيضاً.
يقول المؤلف عن كتابه هذا: "تعد نجران ضاربة في قلب التاريخ لتصل إلى أعلى الرتب بين المواقع المشهورة عالمياً منذ العصر الحجري، حيث اجتهدنا في تقديم حقبة زمنية مهمة، تلمسنا معظم ما طرح حولها وأوضحناه بشيء من التفصيل والتحليل، فعلى مدى أكثر من 25 عام كانت نجران عامرة بالآثار والناس والاستيطان وهذا الأمر جعلها من المدن القليلة في المملكة بل والعالم بأسره التي لها هذه الخصوصية وهذا التميز الرباني...". ولأن نجران كانت مركزاً دينياً ومشهوراً في جزيرة العرب، ومنطقة جذب للأديان والثقافات القديمة، ثم مركزاً عاماً للحج والاحتفالات الدينية لكل الأمم المجاورة؛ يؤكد المؤلف على "أن الإيمان كان في نجران قبل المسيحية" ويستشهد على ذلك من مصادر تاريخية معتبرة فيقول: "تؤكد المصادر على أن هذا العامل كان سبباً من أسباب ازدهار نجران اقتصادياً واجتماعياً، كما كان في الوقت نفسه سبباً لتعرض أهلها للقتل والتعذيب والتنكيل. وقصة "أصحاب الأخدود" التي وثّقها "القرآن الكريم" في الآيات (4-9) من سورة البروج، وكذلك اهتمام الرحالة والمستشرقين بنجران يطرح تساؤلاً هاماً لماذا نجران؟ هل السبب الديني لهذه المدينة وورود أكثر من سورة من سور القرآن الكريم (سورة البروج وسورة آل عمران – المباهلة مع النصارى) والأحاديث من الرسول صلّى الله عليه وسلم ومن الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك وجود عدد من الكتّاب والمثقفين العرب مثل فاضل الربيعي وكمال الصليبي، عرفان شهيد... وغيرهم تُعد دليلاً – لا لبس فيه – على شهرة نجران الدينية، وهذا يقودني إلى ربط الاسم لنجران بالاسم الديني..."، أما الباحث فاضل الربيعي والذي خص هذا الكتاب بمقدمة لافتة صحح من خلالها ما استقر في أذهاننا عن تاريخ اليهود والمسيحية والإسلام؛ ووادي نخلة وارتباطه باسم "نجران"، ما جعلنا نفكر بطريقة مختلفة لقد شقلب الربيعي وآل هتيلة أفكارنا المستقرة منذ مئات السنين عن معجزة ولادة الطفل المخلص وأمه العذراء، حتى أصبحنا غير ما كنا عليه، وهذا ما تفعله بلا شك الأفكار الكبرى فها هو الربيعي يؤكد "أن النصرانية الأولى ولدت في نجران وليس في فلسطين. أما المسيحية في صورتها الراهنة فهي مسيحية بولس الرسول والعصر الروماني"، ويعتبر أن هذا التمييز ضروري للغاية من أجل دراسة تاريخ المسيحية وظروف تطورها بشكل منهجي، وبالتالي رؤية شخصيتي المسيح (يسوع المسيح الرّب وعيسى بن مريم النبي) من منظور جديد.
إن كتاب محمد آل هتيلة "نجران والنصرانية الأولى"، سيكون مساهمة هامة في فهم أسرار هذا التاريخ المسكوت عنه والذي ولد في نجران القديمة.