هناك اعتقاد عام بأن المسلمين العرب بعد أن دخلوا إسبانيا في عام 711 وأقاموا فيما بعد دولة الأندلس خسروا معركة بواتييه في جبال البيرينيه في عام 732 وإن خسارتهم تلك تعود إلى كونهم "صحراويين" لا يتحملون البرد ولا الطبيعة الجبلية الوعرة بما فيها من غابات ووديان.
وهناك اعتقاد عام أيضاً بأنهم بعد تلك الهزيمة التي لحقت بهم على يد شارل مارتل انغلقوا على أنفسهم في الأندلس حتى دالت دولتهم بسقوط غرناطة.
هذه الدراسة تحاول أن تقدم وقائع علمية تثبت أن هذه الاعتقادات ليست صحيحة. كما تحاول أن تبين كيف أن المسلمين وصلوا إلى جنوب فرنسا واحتلوا مدناً مثل ليون وغرونوبل، كما وصلوا إلى سويسرا وحاصروا جنيف ولوزان وسيطروا على شمال إيطاليا، وأنهم أقاموا المستوطنات في جبال الألب وأشرفوا بصورة مباشرة ولمدة قرن تقريباً على الممرات الألبية الستراتيجية في الغرب وفي الشرق على حد سواء.
ثمة آثار تركها العرب المسلمون في هذه المناطق جرى التعتيم عليها طويلاً، إلا أن العلماء بدأوا التنقيب عنها مؤخراً ولو على استحياء. ولا يقتصر التنقيب في بقايا القلاع أو حتى الأديرة (التي كانت مساجد) فقط، إنما في بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، ومنها مثلاً عادة الامتناع عن تربية الخنازير، وفي أسماء العديد من المواقع التي تقع في عمق جبال الألب والمتداولة حتى اليوم.. وكذلك في أسماء بعض العائلات من السكان الحاليين في بعض الأودية الجبلية.
وتعتمد هذه الدراسة أساساً على بحث أعده البروفسور ما نفرد وينر أستاذ التاريخ في جامعة اليونز الأميركية ونشرته مجلة دراسات الشرق الأوسط في عددها رقم 12 الصادر عام 1980 تحت عنوان: "الوجود العربي-الإسلامي في وسط أوروبة في العصر الوسيط".